حديث مع مونتيسوري
و في عام 1948م أدلت الدكتورة ماريا منتسوري بحديث شيق الى محرر احدى المجلات المهتمة بالتربية في انجلترا و منه هذه المقتطفات .
س: يسمح للأطفال في مدارسك بحرية الأختيار ،فهل يفهم من ذلك أنهم لا يقبلون الا على ما يحبونه من الموضوعات و بذلك يتأخرون في المواد التي لا يحبونها ؟؟ج:ان الأطفال في سن السادسة أو السابعة اذ ما أتيحت لهم الفرصة لكي يعملوا مدفوعين بما تنطوي عليه نفوسهم من احتجاجات فانهم يهتمون بالعمل اهتماما عميقا ،و يظلون لفترات طويلة عاكفين عليه ،و عملهم هذا يشمل القراءة و الكتابة و الحساب و الغالب ان اهتمام الطفل يتركز مدة من الزمن على موضوع واحد كالقراءة مثلا حتى يشعر انه أتقنه ،عند ذلك يتحول اهتمامه الرئيسي فجأة الى نوع آخر من العمل المدرسي
هكذا عن طريق اتقان الموضوع الواحد اتقانا تاما في فترة معينة ،والانتقال بعد ذلك إلى غيره حتى يصل الأطفال بسهولة إلى الوقت المناسب إلى المستوى الذي ينتظره الكبار منهم في الموضوعات المختلفة
,قد يحدث في سن السادسة أو السابعة والنصف أن يكون الطفلب مستمراً على الاهتمام الخاص ببعض النواحي ومع ذلك فإن هؤلاء الصغار الذين تدربوا على توجيه أنفسهم بأنفسهم يبدون رغبة في التعاون والعمل بحماسة في أي موضوع آخرحتى وإن كان الموضوع لا يثير اهتمامهم الخاص عند بدء اشتغالهم به .
س: لماذا تقولين إن الأطفال بستمتعون بالعمل؟
ج: أقول ذلك لأني شاهدت حدوثه،وقد أدهشني فعلآً،ولذلك عكفت على ملاحظة الظروف التي جعلتهم يعملون بتلك الحماسة وذلك السرور والإقبال فوجدت أن هذا يحدث فقط عندما يكونون أحراراً في اختيار العمل وفي الاستمرار عليه بدون تدخل أو مقاطعة وعندما يهيأ لهم الفرص لمزاولة أنواع النشاط المناسب لهم في كل سن .
س: ألا يصبح الأطفال أنانيين إذا تركوا يعملون ما يرغبون فيه طوال الوقت؟
ج: لا إن الأطفال ليسوا أنانيين إنهم لا يعملون ما يرغبون فيه ولكنهم يرغبون فيما يعملون ، وهذا الاهتمام بما يعملون هو النقطة الأساسية، ذلك لأنهم عندما يغمرهم الشعور بالإرتياح نتيجة لعملهم فإن الطفل الأناني ينسى نفسه بالتدريج ويندمج مع الآخرين ويستطيع الاستمتاع بالتسليم لهم بما يقتضيه نشاط الجماعة المشترك .
إن الأنانية في الأطفال دليل على وجود خطأ جسيم في بيئة المنزل أو المدرسة وبصفة خاصة في نوع العمل الذي يكلفون بالقيام به ،ولذى يجب أت تعد لهم الأعمال الملائمة وتمهد لهم نواحي الاهتمام التي تشبع ما في نفوسهم من حاجات .
س: كيف يتعلم الطفل التعاون ؟
ج: إنهم لا يتعلمون التعاون ، وإنما تنمو روح التعاون فيهم ، فهم بطبيعتهم يعاون الواحد منهم الآخر عندما تواجههم الصعوبات ،وكلما تقدم بهم العمر أتاح لهم عملهم فرصاً أوفر لتعاون أتم هكذا.
وغالباً ما تكون الأسرة أو المدرسة هي التي تعرف هذا الدافع الطبيعي الذي يدفع الاطفال ألى أن يساعد كل منهم الآخر إذ كيف يتسنى الاطفال يدفعون باستمرار إلى المنافسة الحادة أن يستقلوا هذا الدافع الطبيعي للمساعدة المتبادلة؟!
س: كيف يعالج الطفل المتمرد؟
ج: كان الاطفال في الأزمنة القديمة يرغمون على النظام بطريقة القمع من المدرسة ولكن هذا الشبح المخيف قد زال وسمح للأطفال بإثبات ذواتهم والتعبير عن أنفسهم ، والفضل في ذلك كله راجع إلى مبدأ الحرية الذي آمن به الجميع ومع هذا فإن من الواضح أن الأمر لم يبلغ إلى الآن حداً يبعث على تمام الرضى .
إن الحرية هي التي يتمتع بها الأطفال في مدارس معينة على أساس من القوانين الطبيعية القاهرة ولهذا تجدهم يمارسون نوعاً قوياً من أنواع الرياضة النفسية ،وإن أي كائن جي لا يمون حراً إلا بأن يتبع قوانين طبيعته الاساسية،فالسمكة يجب أن تظل في الماء والشجرة يجب أن تبقى أصولها ضاربة في الأرض.
أما بالنسبة للطفل النامي فإن الشرط الأساسي لحريته هو أن يعيش في بيئة مزودة بوسائل الترقي الملائمة لكل طور من اطوار نموه ولعل الحاجة الساسية الأولى للتلاميذ حاجة ماديه محضة فالمدارس يجب أن يكون بها فضاء كاف يستطيع الأطفال والمعلمون أن يعملوا فيه في يسر ويجب أن تعد لهم من المواد والأدوات ما يمكنهم من العمل ومتى توافر هذا ينبغي أن يشعر الأطفال أن المدرسة ملك لمن يستعملون ما تهيؤه من الوسائل فيها فهي لهم ليعملوا فيها وليعبثوا بها بمثل هذه الوسائل الإيجابية وبمثلها فقط،يمكن أن نهذب طباع المتمردين وأن نساعد الجيل الناشئ على أن يبلغ أعلى مراتب النمو فالمدرسة يجب أن تكون جزء من بيئتهم التربوية فقط .
وإن تربية كبار الاطفال أوسع مجالاً من أن تحدها تلك الساعات التي يقضونها بالمدرسة فالمدرسة يجب أن تصبح مكاناً يستطيعون فيه أن يبلوروا تجاربهم وخبراتهم عن العلم الحديث في الريف والحضر، فعلينا أن نتيح للأطفال في جميع الأعمار الفرص لكي يعملوا بأيديهم خصوصاً الأعمال التي تحتاج إلى تفكير وتعقل لا الأعمال اليدوية فقط .
علينا أن نشجعهم بأن نهيئ لهم فرص تحمل المسؤليات الحقة ، وينبغي ألا يقصر المعلمون همهم على توجيه النقد إلى الآباء والبيئة المنزلية من هذه الناحية بل عليهم أن يتعاونوا مع الآباء تعاوناحقاً على ما فيه الخير اللأطفال
س: يقال أن تكاليف تهيئة مدر سة اللأطفال للسير على طريقة منتسوري باهظة ،فهل معنى ذلك أن إصلاح المدرس الإبتدائية والثانوية يحتاج إلى نفقات عالية أيضاً نسبياً؟
ج: إنكم تنفقون قدراً كبيراً من المال بلا طائل في مدارسكم الحديثة ،ولكن من المؤكد أن النفقات مهما عظمت تهون إذا كان المقصود من إنفاقها هو تحسين حال الإنسان،إن الحرب تكلفنال مالاً طائلاً مع أننا لا نتبين ما الذي نكسبه من ورائها ، ولقد قدر سكان العالم أن تقدم البشرية ورقيها يتفوقان على تربية أبنائهم ، ليهيؤا لهم أحسن الظروف ، ولأفسحوا لهم أطيب المجالات، لا لا لمجرد أن يسعدوا ويحيوا حياة ممتعة فقط، بل من الضروري أن تهيأ للناشئين من الطفولة إلى أن يبلغوا سن الرجولة.
الظروف الصالحة التي تمكنهم من النموإلى أقصى ما تسمح به قدراتهم واستعداداتهم، وإلا يتركوا ليشبوا في ظروف تعطل نمو قواهم الجسمانية والعقلية وليس معنى ارتفاع تكاليف المدارس هو أن يحيا الطفل فيها حياة مترفة ناعمة ، فقد لاحظت أن أبناء الفقراء الذين يعيشون في بيئة رقيقة ويتبعون آباءهم في أعمالهم ويشاركون في دورة حياتهم اليومية أحد وأقوى ذكاء من أبناء الأغنياء الذين يجلسون في بيوت الحضانة وحجرات التدريس.
إن ما نريد أن نهيئه لأطفالنا هو بيئة بسيطة منظمة ، فيها مجال فسيح للعمل ، بيئة تحتوي على المواد اللآزمة لأنواع العمل اللآزمة يتلاءم مع حاجات الطفل في كل مرحلة من مراحل نموهم فتكثر الفرص لممارسة هذه الأنواع.
تعليقات
إرسال تعليق